الثلاثاء، 29 ديسمبر 2009

بلل المطر








جميلة هي حياة القلوب حين تلملم أشتاتها في حضن يعي الحب بمفاهيمه الرقيقة وهواءه المنعش ويدرك أنه قريب تحفه الملائكة لأنه قرر تفقد قلب ارتبط معه في رباط العقيدة الوثيق .. جميل أن تحتوي هذه القلوب لأجل نفوس يغالبها الكثير من الوجد والشوق لها ، فتمنحها دفئا وشوقا وتقدير مكانه ..

ها هي القوارب تتيه بنا في مياه بحرنا ، نجدف في أوحالها مرات وتمر علينا بصفاء بريقها مرات أكثر ثم نرتحل عبر عبابها لتختلط وأرواحنا ونكتشف أنها قائمة على قاموس غير واضح ..

ألا يحق لهذا القارب أن يسير وهو يرفل بوجد مشاعره الصادقة دون أن تظلم عليه الدنيا ليكتشف أنه تائه بلا وجد صادق ثم ينسى ليتوه في أمواج الحياة وبين متون أمواجها الغارقة ، ما أجمل أن تعيش للغير وتنسى ذاتك وما أجمل أن ترى وجد القلوب تتوق لك لحظة ارتواء فتهطل السحب الغليظة بمطرها المنعش لتنعش قلبا يرنو لحياة جميلة صاغها لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم وعلمنا كيف ننهج من بلل مزنها ..



جميلة هي الأرض وهي تلتحف بلل المطر فتملؤه حياة وارتواء .. يسري في أعماقها ثم يتغلغل في أوصالها ليمنحها دفئا .. برودة أوصال وانتعاش روح هامت باحثة عن رضا الرحمن ..


ليس أصعب على الانسان شيء أكثرمن ألا يفهم لحظة تعبيره عن نفسه ، كم من الأناس يعيشون بيننا ويرافقون أفكارنا فإذا دخلوا في بحرها تاهوا وأحزنونا لأنهم غرقوا في مائها فلم يعوّوها ..

أيتها السحب الكثيفة اهطلي علينا بماء ينبوعك النقي وارسمي لنا في فلك السماء قلوبا تنثر زهرا ، تبحث عن كل قلب احتوته يوما ما فقررت أن تملؤه رضا ويقين ، ارفعي من أعماقه وخذيه للسماء وارحلي به في متون حب الله العظيم لترتوي فلا تبحث عن حياة لدى بشر قاصرين لا يعوون قيمة الحب الذي منحهم الله إياه ليظنوا فيرتاحوا حين أصبحوا يتيهون بين عطاء ينضب وينقص وفق حاجة دنيوية ..

الأحد، 20 ديسمبر 2009

أبواق الوجع ..




ها أنا أمد النظر في جنون موجك الهادر ..
أستغربه وعلامات التعجب ترتسم في فضائي ، أتمنى لو تعيد لي بعض سنين عمري .. أتأملني وملامح وجهي بين راحتي أمي ، أدفنها متعمدة كي أستطيع النوم وبعدها بحثت كثيرا عن مثل يديها فلم أجد ، كنت أجد سكونا غريبا دافئا حين أتذكر هذا الأمر يسحبني ويسمح لي أن أغمض جفناي على صمت رحيلها !!..


كم هي ساعات العمر التي مرت رمادا على صخب روحي المنهارة وسط ظلمة القسوة التي رمتنا في أوحالها وسيطرت على هوامش أركاننا فسلبتها سكوننا دون أن ندري ، أنت الوحيد أيها الموج من تستطيع أن تخلصني فأنت من عاش وجعي وقلقي وطحني وسحق روحي مع شخص لم يخلق إلا لذاته ..

- أمي .. أمي تعالي لتلعبي معنا ..
- أين هو والدكم ؟
- إنه هناك يمشي ..

ألتفت لأفك طلاسم غيبته ثم أبتسم ابتسامة من يرقص مع الوجع المشروخ في صدره .. كالعادة يعانق هاتفه وأبواق ناقوس وجعي يدق لمرحلة الخطر التي لا تنتهي .. لا يبال هو بمن حوله وكعادتي أرى مالا أريده وأبتلع الألم .. مكسورة هكذا .. صامتة .. حتى هبت نسيمات هواء على وجهي .. خفيفة هي لكنها أوجعتني كصفعاته لي .. لا أنسى حين داهم مملكتي وشرّع أبواب دولابي ليلقي بملابسي خارج الغرفة طاردا لي ساعة ظلمة وظلام دامس يسحقني لطلبي بيان عاجل لما يحصل .. غزيرة تلك اللحظات التي سلبت كل شراييني ليستمر القطع .. سكتت بعدها كثيرا ورحت ألملم تقاطيعي ثم لكتّ الحزن والهم وآثرت الاندثار تحت غطاء ثقيل عله يمنحني دفئا فقدته فما وجدته ..

وهكذا أعيش أنا في مكان يجثم على صدري بلا روح .. أو بروح مغتالة ..

الخميس، 3 ديسمبر 2009

تابوت الحزن ..




غادرت الحياة على غير ميعاد .. ودعت روحها كل من مر عليها بصمت ، وأطرقت توصيه على فلذات كبدها .. ها هو يجول ببصره عنان السماء .. يلاحق النظرة تلو الأخرى يبحث عن مرفأ أمان لصغاره .. أمسك بهاتفها .. فتحه وأخذ يجوب في عتبات الأسماء ، اسما تلو الآخر ، علّه يجد في أي منها ضالته ، فتكون أمّا ثانية لبراعمه ..

نعم ، هذا هو .. أخيرا وجدته !!

ارتسمت ابتسامة على شفته ، هذا هو الاسم الذي وقع عليه الاختيار .. اسم ليس بغريب عليّ فقد كانت يرحمها الله تكثر ذكره .. اسم طالما جاب أركان الأرصفة معنا وامتشط الخطوط المتعرجة التي كنا نسلكها بحثا عن الخلاص .. حتما سيكون هذا الاسم ملتصقا ببراعمي حد الاحتواء .. وسيوقد قلوبهم شموعا بعد مكابدة الفراق ..

وبكل ومضات السرعة أخذ يركض نحو غايته .. ينافح عنها هنا وهناك ويتذرع بأن حبيبات قلبه يحتاجون لمؤنسا وقريبا يلقون بأجسادهم في أحضانه بعدما رحل عنهم الحضن الأكبر ، وبسرعة البرق طارت الرغبة ..


وتوالت الليال وحصل المراد واجتمع الإسمان على غير ميعاد ونافحت الأوراق مغمضة لأعين الصغار بالوجل والصمت المفجع .. واكتشف بعد برهة أنه أخطأ الحساب ، فلا الاسم كان مسماه صادقا ولا القلب كان مليئا بالحنان !!

- ويحي .. وضع يديه على وجهه ، كم سأشطب من قائمة النسيان ؟ وكم سأزيح من قلوب حبيباتي الاحتضار ؟ وكم سأمحو بممحاة الأمل من أعينهم نظرات العتاب ؟ علامات في حياتي الماضية كانت فارقة عنها الآن ، وها هو نحيب الذكرى يطاردني .. يلومني كلما طاف طيفها وحنّ وجدها للصغار وكأنها تلسعني بعصا النكران وتلهبني بوخز الضمير وأنا أكابر يوما تلو الآخر علني أفوز بالمراد فلا القلب تغيّر ولا النفس أشبعت وشحنت بالحنان ، بل هكذا بقي الحال على حاله من القسوة والتمرد والرغبة في النفور والبعد حتى تركت لحبيبات قلبي العنان والتفكير في البحث عن مخرج .. ها هي شوارع الذاكرة تطاردني ، تحاربني .. تنتشلني ونفسي وتكتب في الأزمنة القادمة سطور غدري ..

- لا لم أغدر .. لكنني أخطأت الحساب وظننت أن مفهوم زوجة الأب قد يكون له معنى آخر لدى هذا الاسم فما وجدت غير الصدود والحرمان .. وثبتّ عاريا بعدك يا جسد فالتحفت الرغبة قبل أن يسلبني تابوت الحزن زيادة البثور وتقرحاتها في وجدي فلا أريدها أن تتمدد وتصل لهم فتملأ رأسي وتحيلني ركام .. ومن يسعف صغاري حينما أفارقهم بعدك وأعزم على الترحال ..

كل فكري كان مطرقا فيهم فليتني تركت لهم حبل الاختيار وصبرت قليلا على الذكرى فربما كان الصواب في بريق أعينهم أجدى من نظري أنا …