الجمعة، 30 أكتوبر 2009

فيروس الخوف ...




فتحت الباب وأنا أدفعه بقوة وصدى صوت الأحذية يدوي في صدر المكان .. تصدر طقطقة يتعالى صداها هنا وهناك وكل في عجلة من أمره ..


أخرجت البطاقة لأحصل على ملف علاج صغيري الذي أحضرته لأخذ آخر جرعة تطعيم له .. حملت الملف وحملته لأسرع الخطى وسط ضجيج المكان وأنفاس المرضى ..


المكان مزدحم بصورة غريبة ، لا أعرف سببا لهذه الزحمة غير المبررة .. أهو هذا الفيروس الذي فاق صداه كل الأمراض .. يا لهذا الفيروس اللعين الذي أطاح بجدران الشجاعة وأرعب القلوب وجعلها تترقب وترتعد كلما أصاب قريب منها سعال أو حرارة !!


h1n1


وصلت للممرضة التي رحبت بصغيري وسجلت ما تحتاج ثم طلبت مني الذهاب للطبيبة لفحصه والاطمئنان عليه قبل الجرعة .. خرجت من عندها ودخلت تتسارع خطواتي وكأني أبحث عن مخرج آخر يقذفني خارج هذا المكان لأبتعد عن هذه الزحمة ..



الممرضة : تطعيم ؟ اجلسي هنا بمجرد خروج المريضة تدخلي ..


جلست على كرسي قرب الباب وأجلست صغيري في حضني فقابلتني امرأة على الكرسي المقابل لي تحمل صغيرا لا أعرف جنسه فهو مغطى بأكمله ولكني قدرت عمره بشهرين ، يفصل بيني وهي باب غرفة الطبيبة .. ابتسمت وقالت :


تأخروا كثيرا .. لقد طال جلوسي ..


وكأنها تلمح أنها جاءت لنفس سببي ..


الممرضة : أبناء المرأة في الداخل حرارتهم مرتفعة منذ ثلاثة أيام ( 39)˚ يبدو أنهم يعانون من الانفلونزا .. ستكتب لهم الطبيبة لأجل إجراء تحاليل إثبات الحالة ..


خيمت الأفكار في رأسي ..



يا إلهي احفظ صغيري وهؤلاء الصغار كلهم .. ماذا أفعل ؟ أأحمل الكرسي من على هذا الباب وأتجه للجهة الأخرى ؟ أأخفي وجه صغيري في عباءتي وأغطيه بأكمله ؟ يا الله ما هذه المشاعر التي تمتلئ في دواخلي ؟ أين ثقتي بالله ؟ أين ؟


يبدو أن الخوف يدب في أركان الكل والسبب الخنازير .. ليتهم لم يخبرونا أن هذه الانفلونزا تسمى بهم فكرهنا لهم زرع في أوصالنا الخوف حتى باتت مواقفنا تثير الضحك والسبب هذا الوباء ونسينا أن الله ما أنزل من داء إلا وله دواء وأن هناك أمراضا أشد فتكا وأخطر من هذه الانفلونزا ، إذن علام الخوف وهذا الجبن الذي يعترينا ..



تذكرت ابني الذي في الصف الثاني حين رفض الذهاب للمدرسة بعدم شراء المعقم ، فابتسم أخوه حينها وقال بأن طلاب فصلهم قرروا إحضار المعقمات والكمامات من الغد ، فسألته : لماذا ؟ أخائفون هم ؟


فرد علي : يبدو ذلك ، فقلت له : لا بأس فالحذر واجب ولكن يتوكل الانسان على الله ويستعين به .. ولم أعلم بأن هناك مساحة خوف في نفسي حتى دخلت العيادة مع صغيري لتدب في هذه المخاوف ..



يا الله كيف استطاعوا أن يرعبونا ؟ كيف ؟


كيف غرسوا فينا من اللاشيء شيء؟



الحركة ما زالت على حالها والنساء يدخلن ويخرجن وأنا في فضاء الغرفة أرصد حركة الفيروس الذي لا أرى له وجودا يتطاير في أركانها ، أبحث عنه وكأني أبحث عن شيء من العدم .. لا أرى فيما أبحث سوى فيروس الخوف الذي يحتويني ويزيد من وحشتي .. تحولت الغرفة لحظتها بسكون عقلي الموحش إلى أشعة بيضاء متراقصة من أضوائها القوية تلتف حول عيناي .. تطبق على أنفاسي فلا أرى مع هذه الأشعة البيضاء إلى اللون الأسود يتمايل هنا وهناك يرحل بي من مكاني وأنا أغط في بحر لا أستطيع ايقاف هدير موجه حتى أذنت لي الممرضة بالدخول فحملت صغيري مسرعة لأدخل الغرفة الأخرى التي ربما تكون مليئة أكثر من الثانية بالفيروسات دون علم مني حينها فقد كنت أبحث عن مرفأ أمان ينتشلني وصغيري .. هذا أمر لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى ، فمن يخبرني بمعلومة مهمة كهذه في تلك الثوان الفارغة التي أقطعها ؟..



خرجت لأمر على النسوة وهن يتجاذبن أطراف الحديث يشتكين مما اعتراهم من أوجاع وآلام رافضة انزال صغيري ليمشي حتى لا يثني خطواتي السريعة للخروج بعد الانتهاء من التطعيم ..



أنهيت عملي وأسرعت كعادتي فأنا أعيش في عصر السرعة هذا الوقت لأحمل خطواتي وأركب السيارة وأتذكر ما مر فأضحك وننطلق ..

الاثنين، 12 أكتوبر 2009

كيف نعوّد أنفسنا على القراءة ؟








( لست أهوى القراءة لأكتب ولا لأزداد عمرا في تقدير الحساب وإنما أهوى القراءة لأن لي في هذه الدنيا حياة واحدة ، وحياة واحدة لا تكفيني لأتحرك على ما في ضميري من بواعث الحركة .. القراءة وحدها هي التي تعطي الانسان الواحد لكثر من حياة واحدة ) عباس العقاد

القراءة هي فاتحة الخير للإنسان وهي ملاذه للخلاص من التيه ولهذا لابد لنا من تعويد أنفسنا عليها حتى تصبح شيئا لا يمكن التخلص منه .. وقد وضع لنا الشيخ المربي علي الطنطاوي قواعد طيبة لتصبح المطالعة في قوائم العمال التي نقوم بها ومما ذكر :





- وخير ما يقرأ كتاب الله القرآن بفهم وتدبر فهو أساس الهداية للقلب والبلاغة ، وكثير من النصارى أدركوا بلاغته وتدارسوه فنحن أولى بتعلم كتابنا وقد كان محمد إقبال يحرص على تلاوة كتاب الله يوميا ومر عليه والده ذات مرة فظل يسأله كما يقرأ فيخبره أنه يقرأ القرآن ومرت الأيام فجاء بعد سنتين وسأله عن هذا الأمر فقال : إنما أردتك ان تتدبر ما فيه فتقرأه وكانه أنزل عليك يخاطبك ( أو كما قال ) فلا تكفي قراءة بلا تدبر أو شعور وكأن الغاية غنجاز وختم دون وعي وتربية ..

- التعوّد على القراءة يبدأ بالكتب الخفيفة السهلة كالقصص ثم يتدرج فيخلط القصة بالتاريخ والخبر وعند اختيار القصة لابد من البحث عن القصص البليغة السلوب ، العالية الهدف ، العميقة المغزى كقصص المنفلوطي ، ثم ينتقلون لقصص كتب الأدب كالبخلاء للجاحظ وكليلة ودمنة لابن المقفع ثم يرتقون لصيد الخاطر وكتاب الحارث المحسبي ( الرعاية لحقوق الله ) وبعدها كتب العلم ..

- ومن تعويد النفس على القراءة وضع عدد صفحات تقرأ يوميا لا يتركها طالب علم أبدا ( كخمس صفحات بداية ثم يزيد ) ولا يتركها مهما حصل ..

- تخصيص مبلغ من المصروف اليومي لشراء الكتب ويحسن اختيار ما يشتري حتى ينتهي من دراسته تكون لديه مكتبة مفيدة واختيار الكتب أمر مهم فلا نقتصر على القصص والروايات بل نبحث عن كتب العلم المفيدة والمغذية للعقل فننهل منها فالكتب كالأطعمة لا نخلط الحلو والحامض والحار والبارد حتى لا يصيبنا سوء هضم عقلي !!

القراءة ضرورية للطالب والمعلم ، فالمعلم الذي يكتفي بما في مناهج التعليم لا يضيف عليها ولا يطالع ليوسّع أفقه يتخلف عن الركب ويصبح كأنه طالب حافظ لدرسه !! فإذا أردنا أن نعرف مقدار رقي بلد معين فلننظر إلى عدد الكتب التي تباع فيه ..


والحفظ ميزة وركيزة للذهن العربي ، فالعلوم كلها نقلت عن طريق التواتر أي حفظا ورويت رواية ولم يبدأ التدوين والتأليف إلا في أواخر القرن الثاني ، وكان المحدثون أعجوبة في حفظهم كالدارقطني والبخاري وغيرهم كثير

صور من حفظ المحدثين

الإمام الشافعي جاء لمالك وقعد في حلقته لتلقي العلم فكان مالك رحمه الله يملي على طلابه ولم يكن مع الإمام الشافعي قلم ولا ورقة فجعل يبّل اصبعه بريقه ويكتب على ذراعه ، فرآه الإمام مالك واعتقد أنه يهزأ به خاصة وأن الكتابة لا تظهر ، فقال له : إنما أكتب ما اسمع لأحفظه وإن شئت اعدته عليك، فقال : أعده ، فأعاد عليه الدرس كله ..


كان المعري في مسجده وكان بجنب المسجد روميّان يتكلمان بلسان الروم ثم اختلفا على شيء ورفعا الأمر إلى القاضي فطالب أحدهما بالبينة ، فقال له : ما كان معنا احد ، ولكن كان في المسجد شيخ يسمع كلامنا فادع به ، فدعا القاضي بالمعرّي وسأله فقال المعرّي : انا لا أعرف ولكن اعيد عليك ألفاظهما ، واعادها بالرومية !!




يقول الغزالي : من أساتذتي الذين استفدت منهم قاطع طريق ، خرج علينا مرة فأخذ كل ما في القافلة وأخذ تعليقتي ( دفتر مذكراته ) فقال : فجعلت أتوسل إليه وأقول : أنا لا آسف علىمال ولا متاع ولكن تعليقتي ، فقال له : وما تعليقتك ؟ قال الغزالي : دفتر فيه علمي كله ، فضحك قاطع الطريق وقال : ما هذا العلم الذي يذهب منك إن ذهب دفتر ؟
قال الغزالي : فانتبهت لهذا الدرس وجعلت أحفظ كل شيء أسمعه لئلا يذهب إن ذهب الكتاب


ليس بعلم ما حوى القِمَطْر …. ما العلم إلا ما حواه الصدر

والقمطر : هو المكتب الذي تحفظ فيه الكتب ( المكتبة )

الخميس، 1 أكتوبر 2009

من هنا .. وهناك ..






ربوع الساجدين

ربما كان علينا ألا نتوه .. كان يجدر بنا أن لا نقسّم أرواحنا هكذا لنخفف عليها الطرق فوق وتر الإحساس ..
أكان يعبث بنا حتى الهواء ليحيل أوصالنا المتصلبة وجعا لا يسكت ؟

وماذا عن فجر قلوبنا الذي يومض بين فينة وأخرى في ربوع السجود ؟ ماذا عنه حين ينسينا كل خاطر يمر فيحيل حياتنا لأفق نبحث عنه في أوج تعكر هذه النفوس وخمولها ؟
أما علمنا أن هذه المناوشات ترفع لنا درجات الحساب ؟

الكثير منا تلذذ بطعم الألم واعتاد رشفة بولع وكأن القلوب لا يجب أن تعيش إلا به لكنها سنة الحياة فهي دار ابتلاء وأشد الناس بلاء هم الأنبياء .. هذا ما يجب أن يرسخ في أعماقنا فنتعلم فنون
الصبر وخاصة عند الصدمة الأولى ..



نظرتنا للكون .. للسماء .. للحياة

أرواحنا لابد أن تعبّ في عالم التأمل لتنهل منه وتعيشه بكامل حواسها .. تكون لها نظرتها المتفحصة في فضاء هذا الكون فتصل بنفسها لعظمة الخالق وعظيم صنعه ، فهذه اللحظات كفيلة بإيصال الروح إلى بر الأمان .. ننظر للسماء بعيون سبقتها الرغبة في الوصول للجنان .. تتحدث عيون قلوبنا ووجداننا فلا يكون النظر مجردا وبلا فهم بل يعمق النظرة ويوسع المدارك ويتحف البصيرة بتروٕ وحكمة .. حين نتعرف على قوانين الكون ونرحل في رحابها ندرك قيمة الحياة فنراها مختلفة كاختلاف النظر الذي عشناه ساعة ايمان وصفاء ..

إنه التأمل .. تلك النعمة التي لا يدرك قيمتها إلا من عاشها متفكرا في أسرارها .. متعمقا في خفايا حركاتها ونظامها ..





أياد تتصافح .. قلوب تتصافع ..

ما أكثر ما تمسّ الأيادي بعضها بعضا حين تلتقي ، فتتصافح لتحط ذنوبها كما علمنا المصطفى صلى الله عليه وسلم ولكنها تنسى حين تتصافح الأيادي أثر تصافح القلوب فلا تصفيها ولا تطهرها ، وحتى نحقق حقيقة الأخوة التي حثنا عليها الإٌسلام علينا ألا ننسى أن الله تعالى خلقنا مختلفين فلا نملأ هذا الاختلاف بالتشاحن والتباغض وملء النفوس بالأحقاد ، لتكون بعيدة عن الأخلاق وتترك هكذا تقدح وتطعن كل رائح وغاد .. بل نترفع عن السيئة ونرتقي بتعاملنا وروح عقيدتنا ..